20:41 - 2012/08/22 معلومات عن العضو رد على الموضوع بإضافة نص هذه المشاركة أضف رد سريع بإقتباس لهذا الموضوع
في ذلك الزقاق الضيق ، عندما غطت ظلمة الليل أحلام اليقظة ، فتماوجت بين حفيف أغصان الشجر ، وخرير المياه الجارية وسط الطريق ،ترتسم صور عديدة لكثير من الناس الذين سحقتهم السنين ومزقتهم أنياب الأنانية ، ثم أنبرت أمانيهم في عتمة ضحلة لم يبق منها سوى أمل يرفرف مع أنغام الليل ، ذلك الأمل يغني كل يوم مع النجوم والغيوم والورود ، كنت أسير هناك قابضاً على خطواتي التي بدت تفقد نبضها الإيقاعي ، لحظة وقوف سيارة ذات لون أبيض براق ، رحت أنتظر وأحدق وأتساءل حقاً عن سبب ذلك الوقوف المفاجئ، ثم رأيت شبحاً ضئيلاً قد قذف منها على حين غرة ،وهمت السيارة بسرعة البرق تغذ الرحيل بعيداً ، كنتُ أخشى الأقتراب أكثر ... يا ترى من ذلك الشيء المتوسد على قارعة الطريق ؟ قادتني أقدامي إلى حيث ذلك المكان الحقير متأملاً ذلك الشبح الصامت، كانت امرأة طاعنة في السن ، امرأة لم تجد أيادي محبة تسقيها الوفاء بعدما تمخض في جوفها الشقاء ، وبانت وثبات الألم والأعياء على خديها المتجعدين ، يا ترى كيف سولت نفس ذويها على تركها في ذلك الزقاق ،بين فضلات الجرذان ونفايات المترفين ، سارعت دقات قلبي وسرت ذبذبات على وجناتي كأنها تأبى الخضوع .. كأنها كرهت معي ذلك الوجود الهائل بالقسوة ، والمكتنف بالضغينة ، لعل تلك المرأة كانت فيما مضى ، ترتمي في فوهة الضياع لتحمي أولادها من الهلاك ، ولعلها كانت تخطف لقمتها وتضعها في فم أحبابها ، وها هي اليوم لا حول ولا قوة تترقب هطول الموت كما يترقب الغريق وسط البحر ملامسة الأرض اليابسة بخديه .. رحت أنظر إليها وقد أجتمع العديد من الناس متناقلين أخبارها ومستفهمين سبب رميها ، وكنت أقول بنفسي .. أيتها الأم الرؤوف لا تحزني حقاً ،لأن روحك نقية كقلب القديس ، وصبرك عظيم كالحرية ، حقاً لا تحزني فأنت كالنجمة في ظلمة الليل ... وأخيراً وجدت أيادي تحتضنها ، وقد آخذتها إلى مكان أكثر أماناً وطمأنينة ، حيث لن ترتجي حنان من ماتت مشاعرهم ،و الذين كانوا بالأمس أبناءها ، آخذتها أحد دور الرعاية .. وظل ذلك الزقاق يرسم بصمت مطبق وحشية صاغتها يد الأقدار ونحتتها دموع المثكلات .
بقلمي